فاشتدّ جزع الرشيد عليه، وأمر برفع الموائد. فقال جعفر بن يحيى: إن طبّ بختيشوع رومي، وطب ابن بهلة هندي؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإحضاره ليعرف ما عنده؟. فأمر بمصيره إليه، فجسّ عرقه، ثم قال: لا أخبر الخبر إلا أمير المؤمنين. فأخبر الرشيد، فأدخل عليه ابن بهلة، فلما مثل بين يديه قال: يا أمير المؤمنين! أنت الإمام وعاقد ألوية القضاء للحكام، ومهما حكمت به لم يجز لحاكم فسخه، ولا لمعقّب بعدك نسخه، وأنا أشهدك عليّ، وأشهد من حضرك أن إبراهيم بن صالح إن مات في هذه الليلة بل في هذه العلّة يكون كل مملوك لصالح بن بهلة حرّا لوجه الله، وكل دابّة له تكون حبسا «١» في سبيل الله، ويكون كل ما يملكه صدقة على الفقراء، وتكون كل امرأة له طالقا ثلاثا بتاتا.
فقال الرشيد: حلفت ويلك! يا صالح على غيب.
فقال صالح: كلا يا أمير المؤمنين!. إنما الغيب ما لا علم لأحد به، ولا دليل عليه، ولم أقل ما قلت إلا بدليل واضح، وعلامات بينة.
قال: فسرّ الرشيد بقوله، وأحضر الطعام، فأكل وشرب، فلما كان وقت صلاة العتمة أتى الخبر بوفاة إبراهيم بن صالح!؛ فاستقبل الرشيد ورجع يلعن ابن بهلة وطب الهند، ثم بكّر إلى دار إبراهيم فأتى ابن بهلة فوقف بين يديه، فلم يناطقه إلى أن سطعت روائح المجامر وقد غسل إبراهيم وكفّن، فصاح به ابن بهلة عند ذلك: يا أمير المؤمنين! الله الله أن تحكم عليّ بطلاق زوجتي وخروجي من نعمتي، وتدفن ابن عمك حيا، فو الله ما مات!. فأطلق له الدخول عليه، والنظر إليه، ثم خرج وهو يكبّر، ثم قال: قم يا أمير المؤمنين حتى أريك عجبا.
فقام معه، ثم أخرج ابن بهلة إبرة كانت معه، فأدخلها بين ظفر إبهام يد