للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الحكاية التي قصد اليبرودي أن يتتبّع أحوال الرجل فيها، ويشاهد ما يكون من أمره أن يكون عنده معرفة بالأعراض التي تحدث له، وأن ينقذه أيضا مما وقع فيه إن أمكنه معالجته.

ومثل ذلك أيضا ما حكاه أبو جعفر أحمد بن محمد بن الأشعث في كتاب" الغاذي والمغتذي" وذلك أنه قال: إن إنسانا رأيته يوما وقد بايع أن يأكل جزر قدّره بحدّ ما، فحضرت أكله لأرى ما يكون من حاله لا رغبة مني لمجالسة من هذه حاله، ولا لي بذلك عادة والحمد لله، بل لأرى إيراد الغذاء على المعدة قسرا إلى ماذا يكون هذا الفعل، فرأيته يأكل من حائط ليري من حوله ويضاحكهم، حتى إذا مرّ على الكثير مما كان بين يديه، فرأيت الجزر ممضوغا قد خرج من حلقه، ملتفا، متحبلا، متعجبنا بريقه، وقد جحظت عيناه، وانقطع نفسه، واحمرّ لونه، ودرّت أوداجه وعروق رأسه، وأزبد، وكمد وجهه، وعرض له من التهوّع «١» أكثر مما عرض له من القذف، حتى رمى من ذلك الذي أكله شيئا كثيرا، فركنت «٢» أن انقطاع نفسه لدفع المعدة حجابه إلى نحو الفم، ومنعها إياه من الرجوع إلى الانبساط إلى النفس، وأما ما عرض إلى لونه من الاحمرار، ودرور وداجيه وعروقه، فزكنت «٣» أنه لإقبال الطبيعة نحو رأسه، كما يعرض لمن شدّ يده للفصد، أن تقبل الطبيعة نحو الجهة التي استنهضت نحوها.

<<  <  ج: ص:  >  >>