وأبوه القف ولم يزل على وثبات تقدمه وثبات قدمه، حتى قيّدت الحتوف خطاه، وأثقلت المنون مطاه، فما استقلت له قدم، ولا شبع للموت به قرم.
ذكره ابن أبي أصيبعة وقال «١» :" مولده بالكرك، لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاثين وستمائة، وكان أبوه الموفق يعقوب صديقا لي، مستمرا على أكيد مودّته، حافظا لها طول أيامه ودهره، يستحلى نفائس مجالسته، وتستجلى عرائس مؤانسته، ألمعيّ أوانه، وأصمعي زمانه، مجيدا في حفظ الأشعار، علّامة في نقل التواريخ والأخبار، متقدّما في علم العربية، فاضلا في الفنون الأدبية، اشتمل في الكتابة على أصولها وفروعها، وبلغ الغاية من بعيدها وبديعها، وله الخط المنسوب الذي هو نزهة الأبصار، والعناية التي لا تلحق في جميع الأقطار والأمصار، وكان في أيام العزيز كاتبا بصرخد، والنجابة تلوح على ولده أبي الفرج من صغره كما تحقق منه في كبره، وافر الذكاء، محبا للعلماء، فسألني أبوه في تعليمه، فقرأ عليّ ما عرف به أقسام الأسقام وحسم العلل، ثم انتقل أبوه إلى دمشق وخدم بها، وسافر معه ولده، ولقي العلماء، ولازم الفضلاء، وقرأ الحكمة على الخسرو شاهي، والغنوي الضرير، وقرأ الطب على علي بن المنفاخ، والموفق السامري، وقرأ أقليدس على المؤيدي العرضي، وفهمه فهما فتح به مقفل أقفاله، وحلّ به مشكل إشكاله، ثم خدم بقلعة عجلون، ثم عاد إلى دمشق، وخدم السلطان بها.
وذكر الجزري في تاريخه قال: سألت أبا الفرج ابن القف عن مرض قاضي القضاة عز الدين ابن الصايغ، فقال: يموت بعد مدة عيّنها، وعن نفسه أنه يموت بعده بمدة عينها، فقلت له: أيش سبب ذلك؟.