الحرام، وزار النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وكان إذا أتى المدينة الشريفة لزم المسجد وأكثر الصلاة.
ولم يزل على رتبته ومكانته حتى سعي عليه عند تنكيز نائب الشام، وغير عليه خاطره، هذا إلى ما كرهه منه من قوة النفس، وكثرة الجرأة والإقدام، فعزله عن الرياسة، وحطّه عن رتبته، وأغري بذمته، والتنقّص به، وقام عبد المولى اليهودي لعناده ورماه سليمان بالبرص، وكشف فلم يصح قوله فيه، وولي عوضه جمال الدين محمد ابن الشهاب الكحال، فجرت بينهم عواصف، وتمت بينهم مع تعمّد الظلم مناصف ونامت على بغضاء تنكز له الأيام والليالي، ثم عطفته عليه عاطفة الرضا، فأقبل عليه كل الإقبال، واستصحبه في سفرة كنت فيها إلى جهة غزة، وأتينا بأنواع من الطعام فيها من السمك واللبن، فقلنا له من أيهما نأكل؟. فقال: أنا طبيبكم وكلوا مما آكل. ثم أكل من السمك، وأكلنا معه حتى كاد يشبع، ثم ترّد خبزا في اللبن، وأكل منه بالملاعق، وأكلنا معه، ثم قال: علينا بالمصلح. فقلنا: ما هو؟. فقال: العسل. فأتينا به، فلعق منه لعقا كثيرا، ولعقنا معه، ثم مكث ساعات، ثم أمر فعملنا شرابا من السكر والليمون، فشرب وشربنا معه، ثم قال: علمنا اليوم بطب الهند. قالوا: أما أن يكون أحدهما أبرد من الآخر أو هما سواء في الدرجة، فإن كان أحدهما أبرد من الآخر فالآخر مصلح له، فإن كانا سواء في الدرجة كنا كمن أكل من شيء واحد، واستكثر منه.... ثم طلب الأمين سليمان إلى باب السلطان ولحق به لتطبيب القاضي علاء الدين ابن الأثير كاتب السر- رحمه الله تعالى- من فالج أصابه، فجاء وطبّبه فلم ينجع، وسعى لأمر فما أنجع، ولم يقع من السلطان بموقع، ولا لقي أطباء الحضرة، بما يجب، فتقهقر وذمّ وأعيد إلى دمشق مبرقع الوجه بالخجل، خائب الظنة والأمل. ثم عقد له مجلس بحضرة تنكز لدواء وصفه