الإقليمين، وصلح للتعليمين، برع في الحكمة على إطلاقها، وأعرف عن بدائع اخلاقها، وأتقن فروع الطب حتى أصبحت به فروعها مثمرة، وأغصانها على أصول الحكمة نضرة، وقرأ جانبا من النحو أقام به أود لسانه، وقام به في جدد الإحسان، وكتب خطا كما حشي عنبر الأصداغ، وسلك طرقا من العبارة لها من نطف القلوب مساغ.
قرأ الطب على النفيس السامري، وغيره، وتخرّج مع سلف الأطباء، وزاحم بقايا تلك القنن، وطبّب وعالج، وظهر حسن أثره، وعرف يمن علاجه، وأثنى عليه الأفاضل، وشهدت له الأطباء بالإجادة، وكان شيخنا ابن الزملكاني يقول:
ما رأيت في المسلمين أصح من ذهن البرهان الزرعي، وفي غير المسلمين من أبي الفتح السامري، قلت له مرة: فأيهما أصح ذهنا؟. قال: أبو الفتح. وكان رحمه الله يدع مشاهير الأطباء في زمانه، ومنهم الأمين سليمان، وهو أصدق صديق له، وأصحب صاحب يعتمد عليه، ويطلب الحكيم أبا الفتح ويستطبّه، وإذا حضر هو وغيره من الأطباء وهم كهول، وهو شاب، ترك أقوالهم واتبع قوله، وجعل عمدة طبه عليه.
وحكى لي ولده تقي الدين عبد الرحمن قال: مرض أبي مرضة استشعر في مباديها أنها ستطول به مدتها، وتثقل عليه، فطلبني وقال: يا بني، أنا ما أعتمد في الطب إلا على أبي الفتح السامري، فإن ثقل بي المرض وغاب ذهني عني بالحمى أو غير ذلك لا تعدل بي عن طبه ومعالجته، وإياك أن تغتر وتميل إلى قول سواه، فإن أبا الفتح صحيح الحدس في معرفة المرض، وعليه رتب المداواة.
قال: وكان كثير الثناء عليه، ولما كنا بحلب كان يقول إذا ذكر دمشق وحسنها يقول: كيف لا أتأسف على دمشق وفيها ربيت ونشأت؟ وفيها مثل