ويحله أكرم محل، ويتحفه بحباء الملوك بما ينعم به بالا، ويعم حساده وبالا، قد أوثقته الحدق النجل جراحا، وأوبقيته الذوائب فلا يجد سراحا، وكان كالخمر في سلب العقول، وكالسحر في الخلب بما يقول، حاذقا بصيد الدراهم، واستخراج خبايا الحبوب، ولو زرّرت بحدق الأراقم.
قال ابن بسام فيه:" شيخ الفتيان، وآبدة الزمان، [وخاتمة أصحاب السلطان] وكان رحل إلى مصر واسمه خامل، وسماؤه عاطل، فلم ينشب أن طرأ على الأندلس، وقد نشأ خلقا جديدا، وأجرى إلى النباهة طلقا بعيدا، فتهادته الدول، وانتهت إليه التفاصيل والجمل، وكلما طرأ على ملك فكأنه معه ولد، وإياه قصد، فجرى مع كل أحد، وتموّل في كل بلد، وتلوّن في العلوم بلون الزمان، وتلاعب بالملوك بأفقها تلاعب الريح بالأغصان، حتى ظفر به ابن ذي النون، فشد عليه يد الضنين، فوجد كنفا سهلا، وسلطانا غفلا، فسرّ وساء، وارتسم في أي الدواوين شاء.
وكان بالطب أكلف، وعليه أوقف، فتعلّق بسببه حتى اشتهر به. وكان حسن البيان، مليح المجلس، حاضر الجواب، كثير النادر، راوية للشعر والمثل السائر، نسّابة للمفاخر، عارفا بالمثالب والمناقب، وكان بالجملة روضة أدب، وهيهات أن يأتي الدهر بمثله. وتحيز إلى إشبيلية فأنس المعتمد بمكانه، وجعل له حظا من سلطانه، ثم بقي بعده على حاله مشتملا بفضل إقباله، ممتعا مقبلا على لذاته.
ومما أنشد له قوله:[البسيط]
قال الوشاة ودمع العين منحدر ... ودمعه فوق روض الورد قد حارا
النار يحرقها قلبي بزفرته ... من العجيب فؤاد يحرق النارا!!