كان في سن الوليد حبيبا، فطلع بدرا كامل الأنوار، وطء بحرا يتمسك له بجوار حتى استهل سحابا، واستقل انسكابا، وكان لبيته تقف عليه زمر، وركبا يحج إليه ويعتمر.
قال ابن أبي أصيبعة فيه:" مشهور بالحذق والمعرفة، وله علاجات مختارة تدل على قوته في الصناعة، واطّلاعه على دقائقها، وكانت له في هذا نوادر، ومعرفة بأحوال المرضى من غير أن يستخبرهم، بل لمجرّد جسه لعروقهم ونظره إلى قواريرهم، وحظي في دولة المرابطين".
وقال ابن جميع «١» أن رجلا من التجار جلب نسخة فائقة من كتاب القانون إلى الأندلس، فأتحف أبا العلاء بن زهر بن تقرّبا إليه، ولم يكن وقف عليه، فلما تأمّله ذمّه واطّرحه ولم يدخله خزانة كتبه، ثم جعل يقطع من طرره «٢» ويكتب فيها نسخ الأدوية للمرضى.
وقال أبو يحيى اليسع بن حزم «٣»
أن أبا العلاء زهرا كان مع صغر سنه تصرخ النجابة بذكره، وتخطب المعارف بشكره، ولم يزل يطالع كتب الأوائل متفهما، ويلقى جلة الشيوخ متعلما، حتى برز في الطب إلى غاية عجز الطلب عن مرامها، وصرف الفهم عن إبرامها، إلى أن خرجت عن قانون الصناعة إلى ضروب الشناعة، يخبر فيصيب، ويضرب في كل ما ينتحله بأوفى نصيب، ويستغرف المدى ويغبر في وجوه سوابق الفضلاء علما ومحتدا، ويفوق الجلة سماحة لا توصف، وندى لولا بذاذة لسان وعجلة ركب عليها الإنسان، وأي الرجال تكمل