يطعم غمضا، ولا شام لغير سنا الصباح إلى الصباح ومضا.
قال ابن أبي أصيبعة:" كان جيد الفطرة، حسن الرأي، جميل الصورة، مفرط الذكاء، محمود الطريقة، معتنيا بالطب. اشتغل على أبيه وأطلعه على كثير من أسرار هذه الصناعة وعملها، وكان الناصر أبو عبد الله يرى له ويحترمه، ويعرف مقدار علمه ويثق به.
وروي أنه لما خرج إلى حضرة مراكش احتاج في نفقة سفره إلى عشرة آلاف دينار، فلما حضر لدى الناصر شكر سالف إحسانه وإحسان سلفه إليه وإلى سلفه، ثم قال: وبيدي مما سلف ووصل إلى أبي من إنعامكم ما يغنيني مدة حياتي، وإنما أتيت لأكون في الخدمة كما كان أبي، وأجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه بين يدي أمير المؤمنين، فأكرمه كثيرا وأطلق له مالا جزيلا، وخوّله في النعم الجمّة، وأجلسه في مجلس أبيه، وكان قريبا منه.
حكى القاضي أبو مروان الباجي عنه قال: كنت يوما معه، وإذا به قد قال:
إنني رأيت البارحة- أي في النوم- أختي، وكانت أخته قد ماتت. قال:
فقلت لها: بالله عرّفيني كم يكون عمري؟. فقالت: طابيتين ونصف!، والطابية هي الخشب يكون طولها عشرة أشبار تتخذ للبناء. قال: فقلت لها: أنا أقول لك الجد، وأنت تجيبيني بالهزء!. فقالت: لا والله ما قلت إلا جدا. وإنما أنت ما فهمت! أليس في الطابية عشرة أشبار، فانظر إلى الطابيتين ونصف خمسة وعشرين شبرا فيكون عمرك خمسا وعشرين سنة!.
قال القاضي أبو مروان: فقلت له: لا تتوهم من هذا فلعلّه أضغاث أحلام، قال: فلم تكمل تلك السنة إلا وقد مات! فكان عمره كما قال لم يزد ولم ينقص.