صعود ذروتها، ولا بدر على ارتقاء صفاها ولا مروتها، فباء بخجلته وبقي تحت مذلة مضلّته.
قال ابن أبي أصيبعة:" كان يهوديا له أعمال حسنة، واطّلاع على كتب جالينوس، والبحث عن غوامضها، ولما وصل أبو الصلت إلى مصر اجتمع به وجرت بينهما مباحث ومشاغبات، وقد ذكر أبو الصلت في رسالته المصرية قال:
وأشبه من رأيته منهم وأدخله في عداد الأطباء رجل من اليهود يدعى أبا الخير سلامة بن رحمون، فإنه لقي أبا الوفاء المبشر بن فاتك، وأخذ عنه شيئا من صناعة المنطق، تخصص بها، وتميز على أضرابه، وأدرك أبا كثير بن الزفان تلميذ أبي الحسن بن رضوان، فقرأ عليه بعض كتب جالينوس، ثم نصّب نفسه لتدريس جميع المنطق، وجميع كتب الفلسفة الطبيعية والإلهية، وشرح بزعمه، وفسر، ولخّص، ولم يكن هنك في تلخيصه وتحقيقه واستقصائه عن لطيف العلم ودقيقه، بل كان يكثر كلامه فيضل، ويسرع جوابه فيزل، ولقد سألته أول لقائي له واجتماعي به عن مسائل استفتحت مباحثته بها مما يمكن أن يفهمها من لم يكن يمتد في العلم باعه، ولم يكثر تبحره واتساعه، فأجاب عنها بما أبان عن تقصيره ونطق بعجزه، وأعرب عن سوء تصوره وفهمه، وكان مثله في عظم دعاويه وقصوره عن أيسر ما هو متعاطيه، كقول الشاعر:[المتقارب]
يشمر للج عن ساقه ... ويغمره الموج في الساحل
أو كما قال الآخر:[المتقارب]
تمنيتم مائتي فارس ... فردّكم فارس واحد
قال أبو الصلت: وكان بمصر طبيب من أهل أنطاكية يسمى جرجس، ويلقب بالفيلسوف على ما قيل في الغراب أبي البيضاء، وفي اللديغ سليم، قد