رأيه، ورجعوا إلى قوله، فإذا قال سكت كل قائل، وسلّم كل منازع، وكانوا إذا عرض للسلطان مرض وحضروا عنده تقدم السديد فأمسك يد السلطان وجسّ نبضه قبل الرئيس، وقبل كل أحد، وكان الرئيس هو السائل عن الأعراض بحضوره، ثم تحصل الشورى بينهم على ما يوصف، ويكون مدار الكل على كلام السديد، واعتماد السلطان عليه دون الكل.
وكان السديد رجلا عاقلا ساكنا لا يكاد يتكلم، حتى إذا تكلم كان البحر الزاخر، والسيل المنحدر، والضرام المتّقد، والأسد الصؤول، إلى نقول يستحضرها، وبحوث يحررها، وتجارب يذكرها.
وكانت له يد في علم الموسيقى والطرب، رأيت ابن كرّ «١» يصفه ويثني على علمه وينصفه. وكان على هذا الفضل الغزير والمدد الوافر لا يتوسع في الوصف ولا يخرج عن الجادة، ولا يعدل عن المعهود، ولا يرى التفقه في الطب كما كان عليه فرج الله بن صغير «٢» ، وكان السديد اجتهاده لنفسه، وفرج الله اجتهاده للعليل، على أن السديد كان إذا لم يشاركه طبيب آخر يطبّب تطبيبا مستقصى، وإن لم يتوسع، فأما إذا شورك سكت وجمد واكتفى بقول المشارك له، وإن كان عنده في الباطن خلافه، وبالجملة كان من الأفراد، وممن يقدم إذا حضرت الأفاضل بالأعداد.