لهواتها، ونقل ما تصوّر في خاطره من تلك الصور الأعجمية والتماثيل التي لا ترى للعيون العميّة، إلى أن أبرزها عربا أبكارا، وأسكنها أسماعا وأفكارا، وأدراها شمولا لا يسمع عليها إنكارا، ثم منه أدهقت آنيتها «١» ، وسمعت قاصيتها [ص ٣٠] ودانيتها.
قال أبو الفرج، قال هاشم بن المرّيّة: إن أول من غنى هذا الغناء العربي بمكة ابن مسجح، وذلك أنه مرّ بالفرس وهم ينصّون «٢» المسجد الحرام، فسمع غناءهم بالفارسية، فنقله في شعر عربي، وهو الذي علّم الغريض وابن سريج. قال: وهو أول من غنى الغناء الثقيل، وعاش ابن مسجح حتى لقيه معبد وأخذ عنه في أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك. قال دحمان [الأشقر] : كنت عاملا لعبد الملك بن مروان بمكة، فقيل إن رجلا يقال له ابن مسجح قد أفتن فتيان قريش فأنفقوا عليه أموالهم، فكتب إليه: أن اقبض ماله وسيّره، ففعل، وتوجه ابن مسجح إلى الشام، فصحبه رجل له جوار مغنيات في طريقه، فقال له: أين تريد؟ «٣» ، فأخبره خبره، وقال: أريد الشام، قال له: فكن معي، فصحبه حتى بلغا دمشق، فدخلا مسجدها، فسألا عن أخص الناس بالامير قالوا: هؤلاء النفر من قريش من بني عمه، فوقف ابن مسجح عليهم، وسلم ثم قال: يا فتيان، هل فيكم من يضيف رجلا غريبا من أهل الحجاز؟ فنظر بعضهم إلى بعض وكان عليهم موعد أن يذهبوا إلى قينة يقال لها برق الأفق فتثاقلوا به إلا فتى منهم تذممّ «٤» ، فقال:
أنا أضيفك، وقال لأصحابه: انطلقوا أنتم وأنا أذهب مع ضيفي، قالوا: بل تجيء