رجال أهل المدينة، عرضا مصونا وجنابا حصينا، لا ينظر بعين نقيصة، ولا يرى إلا والمسامع على أصواته حريصة، فكان لا يرى مسئولا، ولا يبرح يداوي بريئا ومتبولا.
قال أبو الفرج الاصبهاني: ذكر أن أبا سعيد مولى فائد حضر مجلس محمد بن عمران التميمي قاضي المدينة لأبي جعفر المنصور، وكان مقدما لأبي سعيد، فقال له: يا أبا سعيد، أنت القائل:«١»[الطويل]
لقد طفت سبعا قلت لما قضيتها ... ألا ليت هذا لا عليّ ولا ليا
يسائلني صحبي فما أعقل الذي ... يقولون من ذكر لليلى اعترانيا
قال: لعمر أبيك إنّي لقائله، وإني لأدمجه إدماجا من لؤلؤ، فرد محمد بن عمران شهادته في ذلك المجلس، وقام أبو سعيد من مجلسه مغضبا وحلف أن لا يشهد عنده [ص ٤٢] أبدا، فأنكر أهل المدينة ردّ شهادته، وقالوا لابن عمران: عرّضت حقوقنا للبوار وأموالنا للتّلف، لأنا كنا نستشهد هذا الرجل لعلمنا ما كنت عليه، والقضاة من قبلك من الثقة به وتقديمه وتعديله، فندم ابن عمران على ردّ شهادته ووجّه إليه فسأله حضور مجلسه والشهادة عنده ليمضي شهادته، فامتنع وذكر أنه لا يقدر على حضور مجلسه ليمين لزمته، إن حضر حنث «٢» ، قال:
فكان ابن عمران إذا ادعى أحد عنده شهادة أبي سعيد، صار إلى منزله وإلى مكانه من المسجد حتى يسمع ويسأله عما يشهد به فيخبره، وكان محمد بن عمران كثير اللحم كبير العجز صغير القدمين دقيق الساقين، يشتد عليه المشي، وكان كثيرا ما يقول: لقد أتعبني هذا الصوت «لقد طفت سبعا» وأتعبني «٣»