قال إسحاق: فبكيت «١» وقلت: لا تعد يا أبا سعيد في غنائه، فقال: إذا أردت أن تسمعه فاسمعه من منّة جارية البرامكة، فودعته وانصرفت.
قال إبراهيم بن المهدي: كنت بمكة في المسجد الحرام، فإذا شيخ قد طلع، وقد قلب إحدى نعليه على الأخرى، فسألت عنه فقلت: من هذا، فقيل هو أبو سعيد مولى فائد، فقلت لبعض الغلمان: احصبوه، فحصبوه، فأقبل عليّ وقال:
ما يظن أحدكم إذا دخل المسجد إلا أنه له، فقلت للغلام؛ ما يقول لك أبلغني، فقال له أبو سعيد: ومن مولاك حفظك الله؟ فقال: مولاي إبراهيم بن المهدي، فقام فجلس بين يديّ، فقال: لا والله بأبي أنت وأمي ما عرفتك، فقلت: لا عليك، أخبرني [عن] هذا الصوت: «٢»[المتقارب]
أفاض المدامع قبلي الكرى ... وقتلى بكثوة لم ترمس «٣»
فقال: هو لي ورب هذا البيت، لا تبرح حتى تسمعه، ثم قلب إحدى نعليه وأخذ [ص ٤٤] بعقب الأخرى وجعل يقرع بحرفيها على الأخرى ويغنّيه حتى أتى عليه، فأخذته منه، وهذا البيت من قصيدة يرثي بها «٤» أبو سعيد بني أمية الذين قتلهم عبد الله وداود ابنا عليّ بن عبد الله بن عباس: «٥»[المتقارب]