منامي شيئا فأفزعني «١» ، وقد خفت أن يكون قد قرب أجلي، وليس ينفعني إلا صالح عملي، وقد رأيت أن أترك الغناء كراهة أن يلحقني منه شيء عند ربي، فقال قوم منهم: نفعك الله وثبت عزمك، وقال آخرون: لا حرج عليك، وقال الشيخ منهم: قد تكلمت الجماعة، وكل حزب بما لديهم فرحون، فاسمعوا قولي وأنصتوا، ثم حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا معشر أهل الحجاز، إنكم متى تخاذلتم فشلتم، ووثب عليكم عدوكم وظفر بكم، فلا تفلحوا بعدها أبدا، قد انقلبتم على أعقابكم لأهل العراق وغيرهم، ممن لم يزل ينكر عليكم ما هو وراثة فيكم، لا ينكره عالمكم، ولا يدفعه عابدكم، وأكثر ما يكون الجلوس عنه لا للتحريم له، لكن الزهد في الدنيا «٢» ، لأن الغناء من أكبر اللذات وأسرّ للنفوس من سائر الشهوات، يحيي القلب ويزيد في العقل ويسر النفوس، ويفسح في الرأى، وتسر به العين، وتفتح به الحصون، وتذلل به الجبابرة، حتى يمتهنوا أنفسهم عند استماعه، ويبرئ المرض، ومن مات عقله وقلت شهوته، يزيد أهل الثروة غنى، وأهل الفقر قناعة ورضا، ومن تمسك به كان عالما، ومن فارقه كان جاهلا، وكيف يستحسن تركه ولا يستعان على النشاط في عبادة ربنا إلا به. فما رد أحد عليه حرفا، ولا أنكر ذلك عليه، وعاد كل بالخطإ على نفسه، وأقر له بالفضل، ثم قال لجميلة: أوعيت ما قلت، ووقع في نفسك ما ذكرت؟ قالت: أجل، وأنا أستغفر الله، قال:
فاختمي مجلسنا وفرقي جمعنا بصوت واحد، فغنت هذا البيت:«٣»[الطويل]
أفي رسم دار دمعك المترقرق ... سفاها وما استنطاق ما ليس ينطق