للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواري، اندفع معبد يغني الصوت الأول، فصاح الجواري: أحسنت والله يا رجل، فأعده، فقال: لا والله ولا كرامة، ثم غنّى الثاني فقلن لسيّدهنّ: هذا والله أحسن الناس غناء، فاسأله أن يعيد علينا ولو مرة واحدة، لعلنا نأخذ منه، فو الله إن فاتنا لم نجد مثله أبدا، فقال الرجل: قد أسلفناه مكروها، فاصبرن حتى نداويه، ثم غنّى الثالثة، فزلزلت عليهم الأرض، فوثب الرجل فقبل رأسه وقال: يا سيدي أخطأنا عليك، ولم نعرف موضعك، وسأله أن يختلط معه، وسأل: من أين أخذ جواريه الغناء، فأعلمه، فقال معبد: وإنك [ص ٦١] لأنت هو، فتعرفني؟ قال: لا والله، قال: أنا معبد، وإليك قدمت من الحجاز، والله لا قصرت في جواريك، فأكبّ «١» على يديه ورجليه، ثم خلع الرجل عليه عدة خلع، وأعطاه من وقته ثلاث مئة دينار وطيبا وهدايا، وانحدر معه إلى الأهواز، فأقام عنده حتى رضي حذق جواريه، وما أخذنه عنه، ثم ودّعه وانصرف إلى الحجاز.

قال: قال الوليد بن يزيد يوما: لقد اشتقت إلى معبد، فوجّه إليه البريد إلى المدينة، فأتي بمعبد وأمر به فجلس، والبركة بينهما مملوءة بالخمر والماء وستر مرخى، فقال: غنّني يا معبد، فقال: «٢» [البسيط]

لهفي على فتية دان الزّمان بهم «٣» ... فما أصابهم إلا بما شاؤوا

ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتّى تفانوا وريب الدّهر عدّاء

أبكي فراقهم عيني فأرّقها ... إنّ التّفرّق للأحباب بكّاء

فغنّاه إياها، فرفع الوليد السّتر، ونزع ملاءة مطيّبة كانت عليه، وقذف بنفسه

<<  <  ج: ص:  >  >>