تبسمه ويفتح وما سمعه، ويلتقط ويتشطط بأمانيه ويشترط، ويصلح خلله الكثير منه باليسير، ويتخذ منه ما يلقيه في أصواته كالإكسير، وكان لأهل مكة البطحاء به ضنانة، وبسببه يهتك نسبه صيانة، تتقيّل بضلاله، وتقيل في ظلاله، وعلى هذا مضى عبّاد الحجاز، كانوا لا يرون بالغناء باسا، ولا يرون أوقات «١» أنسهم بغيره «٢» مقياسا.
قال أبو الفرج، قال إسحاق: أصل الغناء أربعة نفر: مكّيان ومدنيّان، فالمكيّان: ابن سريج وابن محرز، والمدنيّان: معبد ومالك «٣» .
قال إبراهيم: أدركت يونس الكاتب فحدثني عن الأربعة: ابن سريج وابن محرز ومعبد والغريض، فقلت له: من أحسن الناس غناء؟ قال: أبو يحيى، قلت: عبيد ابن سريج؟ قال: نعم، قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن شئت فسّرت وان شئت أجملت، قلت: أجمل، قال: كأنه خلق من كل قلب فهو يغنّي لكل إنسان ما يشتهي.
قال إسحاق: وسألت هشام بن مرّيّة، وكان عمّر، وكان حاذقا بالغناء، فقلت له: من أحذق الناس بالغناء؟ فقال لي: تحب الإطالة أو الاختصار؟ فقلت: أحبّ اختصارا يأتي على سؤالي «٤» ، فقال: ما خلق بعد النبي داود عليه السلام أحسن صوتا من ابن سريج، ولا صاغ المغنى أحذق «٥» منه، ويدل على ذلك أن معبدا كان إذا أعجبه غناؤه قال: أنا اليوم سريجي.