للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القلم، وأوفق بإمداد مما يمده المداد من الظلم، حلق فيه تحليق الطائر، وحقق فيه ما لا يحقق من النظائر، وأطرب من سمع، وأطرق «١» كل مجتمع، حتى ألف أنغامه، وخلف لأنف الحاسد إرغامه، وقسم أنواع الضروب، وغال [ص ١٣٣] الأفئدة بالأكول الشروب.

قال أبو الفرج: هو أول من دون الغناء، ويقال: إنه خرج إلى الشام في تجارة، فبلغ الوليد بن يزيد مكانه، فلم يعلم يونس إلا ورسله قد دخلت عليه الخان، والوليد اذ ذاك أمير، قال: فنهضت معهم حتى أدخلوني على الأمير، لا أدري من هو، إلا أنه أحسن الناس وجها، فسلمت وأمرني بالجلوس، ثم دعا بالشراب والجواري، فغنيت: «٢» [الخفيف]

إن يعش مصعب فنحن بخير ... قد أتأنا من عيشنا ما نرجّي

ثم تنبهت، فقطعت الصوت، فقال: مالك، فأخذت أعتذر من غنائي بشعر في مصعب، فضحك وقال: إن مصعبا قد مضى وانقطع أثره، ولا عداوة بيني وبينه، إنما أريد الغناء، فامض في الصوت، فعدت فيه فغنيته ولم يزل يستعيده حتى أصبح، فشرب عليه مصطبحا، وهو يستعيد في الصوت لا يجاوزه حتى مضت ثلاثة أيام، قلت: أيها الأمير، جعلني الله فداك إني رجل تاجر، خرجت مع تجارة وأخاف أن يرحلوا فيضيع مالي، فقال: أنت تغدو غدا، وشرب باقي ليلته، وأمر لي بثلاثة آلاف دينار، فحملت إليّ، وغدوت إلى اصحابي، فلما خرجت من عنده، سألت عنه، فقيل: هذا الأمير الوليد بن يزيد، ولي عهد أمير المؤمنين هشام، فلما استخلف بعث إليّ فأتيته، ولم أزل معه إلى أن قتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>