يظن أنه لم يقل، وإتقان لصنعته يجمع طرقتها «١» ، ويعرف فرقها، ويؤنس غربتها، ويحلّي غربلتها، وأذن الخلافة مصغية إلى اجتناء الطرائف، واقتناء الشرايف، واستحسان الحسن، واستنطاق الألسن، فنفقت بضاعته، وفتقت الحجب، إلى القلوب صناعته.
قال أبو الفرج: قال أحمد بن سعيد المالكي: حضرت يحيى المكي يوما وقد غنّى لحنا لمالك، فسئل عن صانعه فقال: هذا لي، فقال إسحاق: قلت ماذا؟ قلت:
فديتك، وتضاحك به، وأخبر [ص ١٣٧] أنه لمالك، فغنّى الصوت فخجل يحيى «٢» ، وأمسك عنه، ثم غنّى بعد ساعة صوتا آخر، فسئل عنه فنسبه إلى الغريض، فقاله إسحاق: يا أبا عثمان، ليس هذا من نمط الغريض ولا طريقته، فلو شئت لأخذت مالك وتركت للغريض ماله «٣» ولم تتعب، فاستحيا يحيى، ولم ينتفع بنفسه [بقية] يومه، فلما انصرف بعث إلى إسحاق بألطاف «٤» وهدايا، وكتب إليه يعاتبه ويقول له: لست من أقرانك فتضادني، ولا أنا ممن يتصدى لمباغضتك ومباراتك فتكايدني وأنت أولى أن أفيدك وأعطيك ما تعلم أنك لا تجده عند غيري، فتسمو بي على أكفائك أحوج منك على أن تباغضني، وأعطي غيرك سلاحا إذا حمله عليك لم تقم له، وأنت أولى وما تختار، فعرف إسحاق صدقه فكتب إليه يعتذر، ورد الألطاف، وحلف له أن لا يعارضه بعدها، وكان يأخذ عنه غناء المتقدمين ويستفيد منه أشياء فاق بها نظراءه، وكان يحيى بعد