فقال له الرشيد: أعد، فأعاد فقال: ويحك كأن قائل هذا الشعر يصف به يحيى ابن خالد وجعفر بن يحيى، وبكى حتى جرت دموعه، ووصل الزبير بصلة سنية.
قال إسحاق: كان عندي الزبير بن دحمان يوما، فغنيت لأبي «١» : [الطويل]
أشاقك من أرض العراق طلول
فقال الزبير: أنت الأستاذ وابن الأستاذ السيد، وقد أخذت عن أبيك هذا الصوت، وأنا أغنيه أحسن من هذا، فقلت له: والله إني لأحب أن يكون كذلك، فغضب وقال: أنا والله أحسن غناء منك ومن أبيك، فتلاحينا طويلا، فقلت له: هلم نخرج إلى صحراء الرقة، فيكون أكلنا وشربنا هنالك، ونرضى في الحكم بأول من يطلع علينا، فقال: أفعل، فأخرجنا طعاما وشرابا، وجلسنا على الفرات نشرب، فأقبل حبشي يضرب الأرض، فقلت له: ترضى بهذا؟ فقال:
نعم، فدعوناه وأطعمناه وسقيناه، وبادرني الزبير بالغناء، فغنى الصوت، فطرب الحبشي وحرك رأسه حتى طمع الزبير [فيّ] ، ثم أخذت العود فغنيته، فتأملني الحبشي ساعة وصاح: وأي شيطان أنت؟ ومدّ بها صوته، فما أعلم أني ضحكت مثل ضحكي يومئذ وانخذل الزبير واستحيا.
قال: غضب الرشيد على أم جعفر، ثم ترضاها، فأبت أن ترضى عنه، فأرق ليله، ثم قال: افرشوا لي على دجلة، ففعلوا، فقعد ينظر إلى الماء وقد زاد زيادة عجيبة، فسمع غناء في هذا الشعر:«٢»[الطويل]
جرى السّيل فاستبكاني السّيل إذ جرى ... وفاضت له من مقلتي غروب