لم أكن أوّل من سنّ الهوى ... فدع العذل فذا داء قديم
قال عبد الله بن العباس الربيعي [ص ١٦٠] لقيني سوار بن عبد الله القاضي، وهو سوار الأصغر «١» ، فأصغى إليّ وقال: إن لي إليك حاجة، فأتني في خفي، فأتيته فقال لي: قد أنست إليك لأنك لي كالولد، ولي إليك حاجة، فإن ضمنت كتمانها أفضيت بها إليك، فقلت: ذاك للقاضي عليّ فرض واجب، فقال لي:
إني قلت أبياتا في جارية لي أميل إليها، وقد هجرتني، وأنا أحب أن تصنع فيها لحنا وتسمعنيه، فإن غنيته وأظهرته بعد ألا يعلم أحد أنه شعري، فلست أبالي، أتفعل ذلك؟ قلت: حبا وكرامة للقاضي، فأنشدني سوار لنفسه:«٢»[الطويل]
سلبت عظامي لحمها فتركتها ... عواري في أجلادها تتكسّر
وأخليت منها مخّها فتركتها ... أنابيب في أجوافها الريح تصفر
إذا سمعت ذكر الفراق ترعّدت ... مفاصلها من هول ما تتحدّر
وليس الذي يجري من العين ماؤها ... ولكنّها روح تذوب فتقطر
قال عبد الله: فصنعت لحنا ثم عرّفته خبره في رقعة، وسألته أن يعدني المصير إليه، فكتب إليّ: نظرت في القصة، فوجدت هذا لا يصلح ولا ينكتم حضورك، ولا سماعي إياك، وأسأل الله أن يسرّ ويبقيك، فغنيت بالصوت حتى ظهر وتغنى به الناس، فلقيني سوار يوما فقال لي: يا بن أخي شاع أمرك في ذلك الباب، حتى سمعناه من بعيد، كأننا لم نعرف القصة.