قال أبو الفرج، قال علي بن الهيثم اليزيدي: دعوت يوما إسحاق الموصلي وكان يألفني فقال [ص ١٦٦] : من عندك؟ قلت: محمد بن عمرو بن مسعدة، وهارون بن هشام، وقد دعونا عبيدة الطنبورية، فقال: أفعل، فإني كنت أشتهي أن أسمع عبيدة، ولكن لي عليك شريطة، فقلت: هاتها، قال: إن عرفتني وسألتموني أن أغني بحضرتها، لم يخف عليها أمري وانقطعت، فلم تصنع شيئا، فدعوها على حجلتها «١» ، فقلت: أفعل ما أمرت به، فنزل وردّ دابته، وعرّفت صاحبي ما جرى، وأكلنا ما حضر، وقدم النبيذ، فغنت لحنا:«٢»[مجزوء الوافر]
قريب غير مقترب ... ومؤتلف كمجتنب
له ودّي ولي منه ... دواعي الهمّ والكرب
أواصله على سبب ... ويهجرني بلا سبب
ويظلمني على ثقة ... بأنّ إليه منقلبي
فطرب إسحاق وشرب نصفا، ثم غنت وشرب حتى والى بين عشرة أنصاف، وشربناها معه، وقام يصلي فقال لها هارون بن أحمد بن هشام: ويحك يا عبيدة، ما تبالي والله متى متّ، قالت: ولم؟ قال: أتدرين من المستحسن غناءك والشارب عليه ما شرب؟ قالت: لا والله، قال: إسحاق بن إبراهيم الموصلي، فلا تعرّفيه أنك قد عرفته، فلما جاء إسحاق ابتدأت تغني، فلحقتها هيبة له واختلاط، فنقصت نقصانا بينا، فقال لنا: أعرّفتموها من أنا؟ فقلنا: نعم، عرفها هارون بن أحمد، فقال إسحاق: نقوم إذا فننصرف، فلا خير في عشرتكم الليلة، ولا فائدة لي ولا لكم، ثم قام فانصرف.