بألفي ألف درهم [من مالي] ووليته مصر، فلما خرج جعفر بن يحيى سألته عن الخبر فقال: بكرت على أمير المؤمنين، فحكيت له جميعا ما كان منا وما كنا فيه حرفا حرفا، ووصفت له دخول عبد الملك وما صنع، فعجب لذلك وسر به، ثم قلت له: وقد ضمنت له يا أمير المؤمنين عنك ضمأنا، قال: وما هو؟ فأعلمته، قال: نفي له بضمانك، وأمر باحضاره، فكان ما رأيت.
قال اسحاق: ما اغتممت [بشيء قط مثلما اغتممت] بصوت مليح صنعته بهذا الشعر: [المديد]
كان لي قلب أعيش به ... فاكتوى بالنّار فاحترقا
أنا لم أرزق محبّتها ... إنّما للعبد ما رزقا
لم يكن ما ذاق طعم ردى ... ذاقه لا شكّ إن عشقا
فإني صنعت فيه لحنا، وجعلت أردده في جناح لي سحرا، فأظن أن إنسانا من العامة، سمعه فأخذه، وبكرت من غد إلى المعتصم لأغنيه به، وإذا أنا بسواط يسوط الناطف «١» ويغني اللحن بعينه، إلا أنه غناء فاسد، فعجبت وقلت: ترى من أين للسواط هذا الصوت، ولعلي أن غنيته أن يكون مر بهذه السفلة بعض من يحضر معنا فسمعه يغنيه، وبقيت متحيرا، ثم قلت له: يا فتى، ممن سمعت هذا الصوت؟ فلم يجبني، فالتفت إلى شريكه فقال: خذ إليك [هذا] يسألني ممن سمعته، والله لو سمعه إسحاق الموصلي لخريء في سراويله، فبادرت والله هاربا خوفا من أن يمر بي إنسان فيسمع ما جرى فأفتضح، وما علم الله أني نطقت بذلك الصوت بعدها.