قال [ص ٢٢٤] ابن حمدون: ركبت ليلة في حاجة للمأمون، فإذا أنا بصوت حافر، ووافت برقة فأضاء لها وجه الراكب، فإذا عريب، فقلت: عريب: قالت:
نعم، ابن حمدون؟ قلت: نعم، ثم قلت لها: من أين أقبلت في هذا الوقت؟
قالت: يا تكش «١» ! عريب في مثل هذا الوقت من عند محمد بن حامد خارجة من مضرب الخليفة وراجعة إليه، تقول أي شيء عملت عنده؟! صليت معه التراويح، أو قرأت عليه جزءا من القرآن؟! أو دارسته شيئا من الفقه؟! يا أحمد، تحادثنا وتعاتبنا وأكلنا وشربنا ولعبنا وغنينا وتنايكنا [وانصرفنا] ، فأخجلتني وغاظتني، وافترقنا، ومضيت في حاجتي ثم عدت إلى المأمون، فأخذنا في الحديث وتناشدنا الاشعار، فهممت أن أحدثه بحديثها، ثم هبت أن أذكر ذلك، فقلت أقدم قبل ذلك تعريضا بشيء من الشعر، فأنشدته:«٢»[الطويل]
ألا حي أطلالا لواسعة الحبل ... ألوف تساوي صالح القوم بالرذل
فلو أن من أمسى بجانب تلعة ... إلى جبلي طيّ مساقطة الحبل
جلوس إلى أن يقصر الظل عندها ... أراحوا وكل القوم منها على وصل
فقال لي المأمون: اخفض صوتك لا تسمع عريب فتغضب، وتظن أنك في حديثها، فأمسكت عما أردت [أن أخبره] وخار الله في ذلك.