فقلت له: في هذا والله أتيتك، وأمرت بضرب عنقك، فضربت عنقه، فقال لي أبو زكار: نشدتك الله إلا ألحقتني به، فقلت له: وما رغبتك في ذلك؟ فقال: إنه أغناني عمن سواه بإحسانه، فما أحب أن أبقى بعده، فقلت: أستأمر أمير المؤمنين في ذلك، فلما أتيت الرشيد برأس جعفر، أخبرته بقصة أبي زكار، فقال: هذا رجل فيه مصطنع فاضممه إليك، وانظر ما كان جعفر يجريه عليه فأتممه له.
قال: غنى علّويه يوما بحضرة إسحاق: «١»[البسيط]
عمّيت أمري على أهلي فنمّ به ... دمع إذا ذكرت مكنونة سفحا
قال إسحاق: هذا صوت معروف في العمى، الشعر لبشار الأعمى، والغناء لأبي زكّار الأعمى، وأوله: عميت.
وهذا آخر ما يقع عليه الاختيار [ص ٢٥٣]«٢» من جامع أبي الفرج الأصفهاني، اقتصر فيه على من ذكره من مشاهير المغاني، وقد بقيت مدة لا أجد ما أذيل عليه، ولا ما أصله به إلى زماننا هذا على ما جرينا عليه في جميع هذا الكتاب، لقلة اعتناء المتأخرين، ولا سيما بهذا الفن الذي فني ولم يبق من يعانيه أو يسمعه، لرغبة ملوك زماننا فيما سوى هذا، أو شواغل أبناء الزمان بالهموم