ولما قتل صارت إلى وصيف «١» ، فلزمت النسك حزنا ووفاء للمتوكل، حتى أراد وصيف قتلها، فاستوهبها منه بغا «٢» ، فأعطاه إيّاها فأعتقها [ص ٢٩٤] ، وقال:
أقيمي حيث شئت، فانحدرت عن سر من رأى إلى بغداد وأخملت نفسها إلى أن ماتت.
قال: وحدثني جعفر بن قدامة عن عليّ بن الجهم قال: كنت يوما بحضرة المتوكل وهو يشرب ونحن بين يديه، إذ دفع إلى محبوبة تفاحة مغلفة بغالية «٣» ، فقبلتها وانصرفت عن حضرته إلى مجلسها، ثم خرجت جارية لها ومعها رقعة، فدفعتها إلى المتوكل، فقرأها وضحك ضحكا شديدا، ثم رمى بالرقعة إلينا، فإذا فيها:«٤»[المنسرح]
يا طيب تفّاحة خلوت بها ... تشعل نار الهوى على كبدي
أبكي إليها وأشتكي دنفي ... وما ألاقي من شدّة الكمد
لو أنّ تفاحة بكت لبكت ... من رحمة هذه التي بيدي
إن كنت لا تعلمين ما لقيت ... نفسي فمصداق ذاك في جسدي
وان تأمّلته علمت بأن ... ليس لخلق عليه من جلد
قال: فما [بقي] أحد والله إلا استظرفها واستملح الأبيات، وتقدم المتوكل إلى عريب وشارية «٥» أن يصنعا في الأبيات لحنا، فصنعتا لحنين وغنتا بهما.