وخرجت معه إلى مخيم هولاكو، فدخل عليه وأدخلني معه، وقال لهولاكو:
هذا الرجل الذي ذكرته، وأشار إليّ، فلما وقعت عين هولاكو عليّ قبلت الأرض، وجلست على ركبتي كما هو من عادة التتار، فقال له بانوابوين: هذا كان مغني الخليفة وقد فعل معي كذا وكذا، وقد أتاك بهدية، فقال: أقيموه، فأقاموني فقبلت الأرض مرة ثانية ودعوت له، وقدمت له ولخواصه الهدايا التي كانت معي، فكلما قدمت شيئا سأل عنه، ثم يفرقه، ثم فعل بالمأكول كذلك، ثم قال لي: أنت كنت مغني الخليفة؟ فقلت: نعم، فقال: إيش أجود ما تعرف في علم الطرب؟ فقلت: أحسن أغني غناء إذا سمعه الإنسان ينام، فقال: فغن لي الساعة حتى أنام، فندمت وقلت: إن غنيت له ولم ينم قال: هذا كذاب وربما قتلني، ولا بد لي من الخلاص منها بحيلة، فقلت: يا خوند، الطرب بأوتار العود لا يطيب إلا على شرب الخمر، ولا بأس أن يشرب الملك قد حين ثلاثة حتى يقع الطرب في موقعه، فقال: أنا مالي في الخمر رغبة لأنه يشغلني عن مصالح ملكي، ولقد أعجبني من نبيكم تحريمه، ثم شرب ثلاثة أقداح كبار، فلما أحمرّ وجهه أخذت منه دستورا «١» وغنيته، وكان معي مغنية اسمها صبا، لم يكن في بغداد أحسن منها صورة، ولا أطيب صوتا، فأصلحت أنغام العود على أنغام ضربة جالبة للنوم مع زم رخيم الصوت، وغنيت فلم أتمّ النوبة حتى رأيته قد نعس، فقطعت الغناء بغتة، وقويت ضرب الأوتار فانتبه، فقبلت الأرض وقلت:
نام الملك، فقال: صدقت، تمنّ عليّ، فقلت: أتمنى على الملك أن يطلق لي (السّميلة) قال: وأي السميلة شيء هي، قلت: بستان كان للخليفة، فتبسم وقال لأصحابه: هذا مسكين مغني قصير الهمة، وقال للترجمان: لم لا تمنيت