وحكى لي أبو جعفر بن غانم أنه حضر مجلس صاحب حماة، وهو مخيم ببارين»
في زمن الربيع وقد أطلع بدائع النور وتجلى بسوابغ الأنهار، والروض قد فك عنه حجز الغمام، والنسيم قد مشى في جوانبه مسبل الأكمام، وأمر بالمغاني فأحضروا وفيهم الخروف ووجهه باسر يلوح يكلح، ولبه ذاهب كأنه ما جاء ليغني وإنما قد قدم ليذبح، فقال له: ما هذا الذي أراه بك؟ أهذا لمفارقة حماة أم لشيء لدينا تتحاماه؟ أما تنظر إلى فسيح هذا الفضاء، وإلى هذا الجو وقد موّه بالفضة البيضاء؟
والخروف مطرق كأنه يرى السكين في يد الذابح، والنار تشب في زناد القادح، لهوى كان عقده بحماة «٢» جديدا، وفارقه وإن لم تكن النوى رمت به مكانا بعيدا، ثم لم يطل به السكوت، ولم «٣» يتمادى لسانه في اعتقاد الصموت، حتى اندفع يغني صوتا عمله لوقته، ونطق به وخرج من عهدة صمته، وهو:[الكامل]
قسما بأيام التداني ولذة ال ... وصال وإني في يميني صادق «٤»
ما سرّ قلبي مذ نأيت ولاحلا ... لي العيش واللذات منّي طالق
وأنّي أرى هنا الفضاء الذي أرى ... فسيحا علينا بعدكم متضايق