للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التذكرة، ونكتفي بالقليل لما عنده من المخبرة؛ فأول ما نوصيه أنه لا يقف عند منهل، ولا يتوقف في أي شيء تسهل، ولا يتخير ليتحير، ولا يذكر إذا تقدم إلى الطعام؛ بحقد من حقد ولا لوم من لام، ولا يحسب حساب تقية من حضر، بل يأكل الكل ولا يذر، ولا ينتظر من غاب، ولو كان أسد الغاب، ومهما جاء قدامه رماه بالمحاق، وعاجله خوف اللحاق؛ وإذا قدمت المائدة، يذكر اسم الله لتهرب الشياطين، وتغنّى لئلا تحضر الملائكة، ويتحيّل بكل طريق في عدم المشاركة، ويعجل مهما أمكنه فإنه ما يأمن المداركة وليلف الخبز والإدام، ولا يعفّ عن لحس الزبادي وقرقشة العظام، ولا يتلافى خاطر من حرد ولا يترضى، ولا يدع شيئا مما يطلق عليه اسم الأكل حتى النار التي تأكل بعضها بعضا، وليباكر الغداء فإنه مكرمة، ويلازم العشاء فقد قال صلى الله عليه وسلم «١» : «تعشّوا ولو بكف من حشف فإنّ ترك العشاء مهرمة» ، وليداوم على ما هو عليه من هذا الأمر، ولا يلتفت لقول زيد ولا عمرو، وليأكل ما حضر ويحرص على الطيبات، فقد كان صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب، ويحب الحلو والعسل، ويحب الزّبد والتمر، ولا أقل أن يكون فيه هذا من السنة؛ ومن تتبع مآكل السلف، وإن كان لا يريد، لأن هذا كله لا مصور على خاطره، وممثل في ناظره؛ ثم ليتعهد المهضمات وما يقوي المعدة، ويزيد لهيب نيرانها المتقدة، ولا يدع استعمال المسهلات، ليهيئ المعدة لمواقع الغداء والعشاء، ومواضع الأكل في مطاوي الأحشاء؛ وليستعلم أخبار الآكلين، وطرائف الطفيلية المحتالين، لما يحصل بذلك من التأسي، وينهض الشهوة للأكل والتحسي؛ وإياه والمضغ، فإنه يطيل المدى ويقلل معه مقدار ما يؤخذ من الغدا؛ ومهما استطاع فليحسن المآكل، ويحزن صاحب الضيافة الحزين الثاكل،

<<  <  ج: ص:  >  >>