فيا لله ما أسرى هذه البدائع، وما أسرع تدفّق هذه البداءة، ويا لله هذا الشّاعر، لقد ركب هذه القافية الصعبة فذللها، وسلك هذه الطريقة الوعرة فسهّلها؛ ولقد حيّر الأفهام إلى أيّ هذه المعاني تسارع؟ ولأيّها تفضل؟ ومن أيّها تعجّب؟ هذا مع هذا التركيب الشّديد الأسر، واللفظ الذي اقتاد إلى هذه القافية، وسلسل نطف هذه الأبيات الصّافية، وجاء بأبياتها المشيّدة كأنها العافية، وهذا الذي تتفاوت فيه أقدار القرائح، ويظهر فيها مبلغ العلم، ويعلن به باسم قائله، وينفق سوق منشده، وأين من يقدر على مثل هذا الكلام؟ أو يتعاطى مثل هذا المدام؟ أو يصحّ معه هذا السحر، وما أظنّه إلّا الحرام؟!