للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالت وقد ولّت حمولهم ... والعيس فوق جفوننا تخطو:

كان الشّباب الغضّ يجمعنا ... فمضى وشتّت شملنا الوخط

غدر الأحبّة والشّباب معا ... فكأنّنا لم نصطحب قطّ

وقوله «١» : [الكامل]

في القلب من حرّ الفراق شواظ ... والدّمع قد شرقت به الألحاظ

ولقد حفظت عهودكم وغدرتم ... شتان غدر في الهوى وحفاظ

لله أيّ مواقف رقّت لنا ... فيها الرّسائل والقلوب غلاظ

ومرى العتاب جفوننا فتناسبت ... تلك المدامع فيه والألفاظ

يا دار ما للرّكب حين وقوفنا ... ما إن سقاك من الدّموع لماظ

ترك الغرام عقولهم مشدوهة ... فظننتهم رقدوا وهم أيقاظ

عهدي بظلّك والشّباب يزينه ... أيّام ربعك للحسان عكاظ

فيا لله ما أسرى هذه البدائع، وما أسرع تدفّق هذه البداءة، ويا لله هذا الشّاعر، لقد ركب هذه القافية الصعبة فذللها، وسلك هذه الطريقة الوعرة فسهّلها؛ ولقد حيّر الأفهام إلى أيّ هذه المعاني تسارع؟ ولأيّها تفضل؟ ومن أيّها تعجّب؟ هذا مع هذا التركيب الشّديد الأسر، واللفظ الذي اقتاد إلى هذه القافية، وسلسل نطف هذه الأبيات الصّافية، وجاء بأبياتها المشيّدة كأنها العافية، وهذا الذي تتفاوت فيه أقدار القرائح، ويظهر فيها مبلغ العلم، ويعلن به باسم قائله، وينفق سوق منشده، وأين من يقدر على مثل هذا الكلام؟ أو يتعاطى مثل هذا المدام؟ أو يصحّ معه هذا السحر، وما أظنّه إلّا الحرام؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>