وأما ما ذكره من القرض، فلم يزل القرض للذّرّية الأيوبية- أعاذها الله من الانقراض- ميسم كرمها، وعنوان علوّ هممها؛ فبيوت أموالهم في بيوت رجالهم، وعقد أيامهم في قلوب خدّامهم، والكنوز التي جعلها الماضون سبائك في التّراب، جعلها ملوكنا قلائد في الرقاب؛ فهم يتحملون بالقرض ويفتخرون؛ وإذا ادّخرت الملوك في أيدي أنفسهم مالا، فهؤلاء في أيدينا يدخرون.
ومنه قوله:«١»
وصل كتاب الحضرة، وصل الله أيامها بحميد العواقب وبلوغ المآرب، وصحبت الدّهر على خير ما صحبه صاحب، وأنهضنا بواجب طاعته فإنّه بالحقيقة الواجب، وكلّ واجب غيره ليس بواجب، من يد فلان، ورجوت أن يكون طليعة إلى الاقتراب، ومبشّرا بالإياب، ومخبرا بعودها الذي هو كعود الشّباب لو كان يعود الشباب؛ وعرفت الأحوال جملة من كتابها، وكلها تشهد بتوفيق سلطانها، وبأيامها التي تعود بمشيئته بإصلاح شأنه وشأنها، والذي مدّه ظلا يمدّه فضلا؛ فالفضل الذي في يديه في يد خلق الله، والذي أحالهم بالرزق عليه، فكيف ما دعونا له [دعونا] لأنفسنا، وكيف ما كانت أسنّة رماحه فهي نجوم حرسنا، فلا عدمت أيامه التي هي أيام أعيادنا، ولا لياليه التي هي ليالي أعراسنا «٢» .
ومنه قوله: وهذا أفق لا مطار فيه إلّا للعقاب وابنه، وبحر لا مسبح فيه إلّا لمن يخرج الدّرّ من فيه ويدخل البحر في ردنه؛ وما عنيت بالبحر هنا إلّا يده الكريمة، فأمّا البحر فلم أعنه؛ وأغرقتني في البحار وأنجيتني منها، وعرّفتني وزن خواطر البلغاء،