كيف أنت في هذه الرحمة التي تركتنا رحمة؟ وكيف الخركاه «١» وكيف الخيمة؟ أمّا نحن ففي خيمة من عنصرنا وهو الطين، وفي خركاه كأنّا من ضائقتها في عقد التسعين، قد حاصرتنا الأمطار، وقلّ احتفالها بالخنادق المحتفرة، وفعلت بنا ونحن المسلمون ما فعلنا بمن حاصرناه من الكفرة، فليت لنا ولو كمفحص القطاة في السعة والحفوف، وليت لنا جبلا يعصمنا من أنواع السّيول إذا جاءت ممرودة السّيوف، وقد حال الجريض دون القريض «٢» ، وشغل توقّع اللّئيم عن توقيع القلم.
ومنه قوله: وقد كانت ليلة الخميس بدمشق ليلة مباركة، ما غسل ظلامها إلا السّيول لولا الصباح، ولا ابتسم صباحها إلا وقد كادت تبتسم الجبال والبطاح.
ومنه قوله: وقد جار كرم يده على أموالها، وعلم الخلائق الاشتطاط في آمالها، فما يأخذ أحدهم البدرة إلّا بكسر الخاتم منها، ولا يقبل الخلعة إلّا وقد عصبت المنشور بعصبها، ولا يركب الجواد إلّا وهو بالتبر مثقل، وبالحليّ في وجهه ورجليه أغرّ محجل، ولا يقنع بالإقطاع إلّا وباطنه قلعة وظاهره رستاق، ولا بالمنشور إلا وحاصله ثمرات واسمه أوراق؛ فقد فرّ الناس من الصنائع إلا إلى اصطناعه، ومن المعايش إلا إلى انتجاعه، وهان عليهم أن يكتبوا في قرطاس ويجاوبوا بأكياس، ووقفوا على التّراب فلحقوا بالسحاب، وغمر الجود كل دينار، حتى توارى دينار