يسمع لأسمعته، ولو أنّ الحظّ الأشمّ يخضع لأخضعته؛ وبالجملة فإنّه لا يسبّ زمن أبقى من سيّدنا نعمة البقّية، التي مهما وجدت فالخير كلّه موجود، والمجد بحفيظته مشهود؛ وكما تيسرت راحة جسمه، فينبغي أن يقتدي به قلبه في راحته من همه؛ وأعراض الدّنيا متاع المتاعب، وقد رفع الله قدره، وإلّا فهذه الدّنيا وهدة إليها مصاب المصائب، والحال التي هو الآن عليها عاكف، من علم يدرسه، وأدب يقبسه، وحريم عقائل يذبّ عنه ويحرسه، هي خير الأحوال؛ فالواجب الشّكر لواهبها، والمسرّة بالإفضاء إلى عواقبها، وما ينقص شيء من المقسوم، وإن زاد عند المجلس فليس من حظّه، ولكن من حظّ السائل والمحروم؛ ولا يسمح المجلس بكتاب من كتبه على يد من الأيدي التي لا تؤدّي، فلا يؤمن أن تكون أناملها حروف التعدي.
ومنه قوله: وقد تأملت ما تفننت في وصفه حين دعيت إلى قتل الأسير، وأن القدرة المحيطة بعنقه، والأسر السادّ لسبل القتل وطرقه، أبى لها أن تشغل به بالها، ونصّ لها أن لا تنجس بدمه نصالها، فإنّ قتل الأسير ويداه مغلولة، وحبال أذرعه محبولة، قدرة ما زالت النّفوس على استقباحها مجبولة، وما كان يؤمنها أن تشخص الأبصار نحوها، وكما نظر في الطّروس كأنها تنتظر في الطروس «١» محوها، فيكون غيظ الحسام من قلمها حاملا له على أن لا يحدّ مضاء، ولا يمضي حدا، وباعثا له على أن ينثني عن عنق الكافر مرتدا، فيورثنا معشر الكتّاب عارا يعدي عرّه، وينهي العلم ما يسوءه والسيف ما يسرّه، وينفتح باب القيل والقال، ويحتاج إلى العذر الصدئ في نبوة السيف الصقيل.