للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من سهام الدهر به ولا غرو أن يدّخر لباسه لبأسه.

وأما الكتب المنعم بها على يد فلان فلم يصل شيء منها، والطرف بها معقود، والقلب إلى حيث ورودها مورود؛ ولا شبهة في أنّ الطريق كالخواطر- وما يعني إلا خواطر نفسه- مربوطة لا تنفد مسالكها، وكم طالع فكرة مظلمة لا تنجلي حوالكها، وهو من كتب المجلس- أدام الله نعمته- بين روضة قد تلاحقت غرر محاسنها، وتناسقت درر معادنها، فمن نورة في كمام، وزهرة في نظام، وثمرة في تمام، ونضرة في ضحى وعبقة في ظلام، فهو من واصلة ومتواصلة، وواقعة ومتواقعة، وطالعة ومتطلّعة، ويانعة ومتنوعة، لا خلت من صوب سحاب خاطره الرّوى يروضها ويروّضها، ويرفع مياسم الجدوب ويقضّها ويقوّضها، وما يحسب الخادم أن هذا الكتاب إلّا مساوقا لوصول الرّكاب الناصريّ إلى الشّام، فهنيئا له أن زاره السحاب الطبق والربيع الطلق، وأن أضاء بمحضره فجّ وأظلمت بمغيبه فجاج، وأن خمدت للمخافة نار واتقد للأمنة سراج وهاج، ومصر وإن كانت دارا، ما خرج عنها من الشام إلّا إلى دهليزها، فإنه عزيز عليها- والله- وعلى أهلها فراق عزيزها.

وأما حال الخادم بعد فرقة الرّكاب المشكور، فوالله لقد عرد قلبه من أمره ووعده، بما لم يف به لا من سلوه بل من صبره، وسار بعد ذلك القلب فما وجد منه عزيمة فيطالبه بموعد نصره، وما خالف عادة تسرعه، وأخلف عدة تبرّعه، إلا أنه كان في غير سفرة ما كان نفض غبارها، وفي إعلال فرقة ما كانت كفأت إسارها، ولا سيما بعد أن أطلعته الأربعون شرفها، ونصبته الخمسون هدفها، فأنكر تلك التي كان عرفها، وفارق عصر شبيبته وما وجد في المشيب خلفها، ولحق أمله ببدنه وكلاهما قد أنهج، وقربته الخمسون مع معترك «١» الستين، وكلاهما

<<  <  ج: ص:  >  >>