ضرائها، وتجنب نقعها من ورائها، وقد فرطت أجيادها بأعنّتها، وطاولت هواديها بأسنتها، فغدت حينئذ نجزة من الخيل، تدرك ما كانت له طالبة، وتفوت ما كانت منه هاربة، لا تمل من موالاة الدروب، وهي عند النزول كمثلها عند الركوب؛ فلما استويت على ظهرها، عقدت مع الريح عقد الرهان، وعرضت عليها حكم الشقراء والميدان، ثم قلت: إن استشعرت مسابقتي، فقد جئت شيئا فريا؛ وتلوت قوله تعالى: وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا
«١» وما كان إلا هنيهة حتى حال الركب للرواح عند الإظهار، واستسلفت المدى بالتقريب قبل الإحضار، وجئت القران فلقيته منها بصدر يطارد الأمواج مطاردة الفجاج، وعين لا يروعها هبوات الماء كما لا يروعها هبوات العجاج؛ فتلك فرسي التي أعدّها لكل مخوفة، وهي حوت في كل معبر، وظليم في كل تنوفة.
ومنه قوله في الناقة والفرس:
سرت وتحتي بنت قفرة، لا تذهب السرى بجماحها، ولا تستزيد الحادي من مراحها، فهي طموح بإثناء الزمام، وإذا سارت بين الآكام قيل: هذه أكمة من الآكام، ولم تسم جسرة إلا أنها تقطع عرض الفلا كما يقطع الجسر عرض الماء، ولا سميت حرفا إلا أنها جاءت لمعنى في العزائم لا لمعنى في الأفعال والأسماء، وخلفها جنيب من الخيل، يقبل بجذع، ويدبر بصخرة، وينظر من عين جحظة، ويسمع بأذن جسرة، ويجري مع الريح الزعزع، فيذرها وقد ظهر فيها أثر الفترة، وما قيد خلفها إلا وهو يهتدي بها في المسالك المضلة، ويطأ على آثارها فيرقم وجوه البدور بأشكال الأهلة؛ هذا والليل قد ألقى جوانبه فلم يبرح، والكواكب