النفوس تؤثر الخير تكلفا والشر طبعا، وهي مجبولة على حب الشهوات قلبا ولسانا وبصرا وسمعا، لكن للتدريج أثر في تقويم الاعوجاج، واصطناع الياقوت من أحجار الزجاج، ولهذا استخرج من أوراق الشجر وشائع الديباج.
ومنه قوله في المدح:
إذا أفضت في الثناء عليه، تنافس النظم والنثر في الاستقلال بأوصافه، وما منهما إلا من فض ختام طيبه ونشر مطاوي أفوافه، فما ترى في مديحي لمولانا من حسن فليس لها مخلوقا، بل من أوصاف سيدنا مسروقا:[البسيط]
إذا القصائد كانت من مدائحهم ... يوما فأنت لعمري من مدائحها
ومنه قوله:
المال يكون في خزائن أربابه صامتا، وإذا خرج في العطايا صار ناطقا، فيا قبحه في أيديهم حبيسا، ويا حسنه عنهم آبقا، ولم يسمع قبله بآبق أفاد صاحبه حمدا، وبنى له مجدا.
ومنه قوله في قريب منه:
جود مولانا قد هون على الناس مشقة الاغتراب، وأراهم من نعيم الإنعام ما حبب إليهم فراق الأحباب، فما منهم إلا من يحمد خطوب الأيام التي أخرجته من دياره، ونقلته عما لم يؤثر الانتقال منه إلى ما لقيه من إيثاره؛ فمثال بابه الكريم بقتلى الأيام، كمثل الجنة بقتلى الحمام؛ فلو علم داخل الجنة أنها تكون له مصيرا، لاستعذب كأس الحمام وإن كان مريرا؛ وذلك كما قال ابن الخياط «١» :