الخضراء وسائر أخواتها، أعاد الصبح العشاء، وكتب الإنشاء، وصرف أوامر الوزارة، وقاسم الوزير حسناته لا أوزاره، وكلامه عذب المساغ، للقلوب به شغل وفراغ، كأنما نشر به حلى أو صاغ، وكان بريئا من ظلمة التعقيد، كأنه الزهر الضاحك في رونق الربيع الجديد.
* ومن نثره قوله في توقيع كتبه لقاض اسمه يوسف «١» :
لأنه المستوجب بهجرته إلينا تحقيق ما نواه، وإنه يوسف الفضل الذي لما قدم مصر قيل لشيمنا الشريفة: أكرمي مثواه، وأرته أحلامه من الأماني ما جعلناه صدقا، وأنجز الله تعالى له منها ما قال معه: هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا
«٢» .
فليعتصم من طاعة الله بأقوى حبل، ويقف عند مراضيه ليجتبيه ويتم نعمته عليه كما أتمها على أبويه من قبل، وليتمسك من أسباب التقوى بما يكون له جنة، ويحرص على أن يكون الرجل الذي عرف الحق فقضى به، وكان المخصوص من القضاة الثلاثة بالجنة، ويجعل داء الهوى عنه محسوما، ولحظه ولفظه بين الخصوم مقسوما، ولا يأل ما يجب من الاجتهاد إذا اشتبه عليه الأمر، أن يعلم أنه إن اجتهد وأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران، وصوب الصواب واضح لمن استشف بنور الله برهانه، وليتوكل على الله في قصده، ويثق، فإن الله سيهدي قلبه ويثبت لسانه، وليجعل الاعتصام بحبل الله تعالى في كل ما تراود عليه النفوس من دواعي الهوى معاذا، ويتبصر من برهان ربه ما يتلو عليه عند كل داعية: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا