* بحر يقذف الدر، وأفق يطلع النجوم الغرّ، وكان للدنيا جمالا، وللدين كمالا، جعل للبيان سحرا، وللطيب شحرا، وقدمته الدولة على الرؤساء، وعظمته على الخلطاء والجلساء، وكانت الملوك تنزله منزلة لسانها ويمينها، وتحله محلة ترجمانها وأمينها، وظلت تصرف به البأس والندى، ويتصرف في الأولياء والعدى آونة تحسب نسيبه سؤالا، ويجود بسيبه نوالا، وآونة تحز بقصبه الغلاصم، ويجر بكتبه لجذّ الأيدي والمعاصم، وطالما فتحت به المعاقل الأشبة، وساقت سرجها السوام في رياض النجوم المعشبة، ثم قفلت الممالك بأقاليده، وقفلت المسالك بتقاليده واصطفته الرئاسة لقربها، وأصفت له السياسة موارد شربها، وكتب كتب السر أكثر عمره، وصرف ديوان الإنشاء مدة بأمره وكان بدمشق عينا لأعيانها، وزينا وحلية لبيانها، راقيا للإيوان، رائسا للديوان، وكان عمّي ثم أبي لا يعتمد كل منهما إلا على أمانته، ولا يرنح فكره إلا بإيضاحه وإبانته، وخطه أبهج من الروض الأريض، وأزين من النقش المخضر على معاصم الغواني البيض، وله من كثرة الاطلاع ما حقق له المآرب، وصدق أنه الشمس ضوؤها يغشى المشارق والمغارب، ولم يكن أكثر منه اتّضاعا في ارتفاع، وتنازلا وهو في اليفاع، لا يجد في نفسه حرجا لأحد، ولا مضضا ممن أنكر حقه وجحد، لا يضره أي مكان حله، ولا يضره لبس عباءة أم حلة، وكان يتعرف إلى الله عساه ولعله، ويتعرض لقضاء حوائج الناس لله لا لعلة، هذا بلا تكلف يشق عليه في عرضه مطلوب، أو يشق به لعرضه أردية أو جيوب، مع ملازمته تلاوة يؤنس بها جانب الجامع المعمور، ومرآة يشرق بها وجه النهار ويعمر قلب الديجور، وعمل زاك صحب به الأحياء، وجاور سكان القبور.