الخير عليه السلام الريح والطير، هذه غدوها شهر ورواحها شهر، وهذه تستطلع له أنباء الملوك فتستنزلهم على حكم الذل والقهر، ولذلك درجت الملوك الحمام ورتبت البريد، فبلغت بهما في الوقت القريب ما تريد من غاية المرام البعيد، وقربت لهم مستبعدات المطالب، وأطلعتهم بسرعة الإعلام على نهايات العواقب، فبلغت هذه بسرعة إيصال البطائق، ما لم يكن أحد من البشر بطائق، وارتفعت محلقة في الهواء، وحلقت مسخرة في جو السماء، وما خفقت بأجنحتها إلا وقد وافت بالبشرى مخلقة وما أخفقت، وما خضبت كفها وتطوقت إلا للسرور وصفقت، وما حفظت العهود من الأسرار، وما ردها الحنين إلى الأوكار، وما قطعت مسافة في ساعة من نهار، وما وما وما، ولا عرجت طائرة نحو السماء إلا وقد ذكرت عهودا بالحمى، إلا أن بطائقها ربما نقلت من جناح إلى جناح، وحصل بنقلها أعظم خطر وأوفر جناح، وكشف خدرها، وأذيع سرها، فغدت مذاعة السرائر، وكانت محجوبة عن مقلة كل طائر، وذاك حافظ لما استودع من الأمانة المؤداة، أمين على ما حمل من النفقات والمشافهات، إلى الأجانب وأهل المودات، حريص على إيصال كتبها، صائن لها في حربها، صيانة الصوارم في قربها، والعيون بهدبها، يوصلها بطيها مختومة بخاتم ربّها، فهو السهم الخارج عن كبد القوس، لا يزيغ عن الغرض، وتلك ربما جرحها الجوارح، وعرض لها بالبنادق من اعترض؛ وصدها عن بلوغ المرام، غموم الغمام، وعموم الظلام، وقطع «١» طريقها، وحتم تعويقها، وقضى وحكم عليها بالتأخير، لأنها فيهما لا تطير، وذاك في الليل والنهار، والصحو والغيم يسري ويسير، ولذلك لا تسرح الحمام في المهام، إلا ويرسل تحتها البريد، مؤرخ بتاريخها فهو لها وعليها سائق وشهيد، وهي وإن شهد لها المترنم المنتدم، بالفضل والتقدم، والفضل