للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوة الجبان في القول، والقول يذهب في الرياح؛ وقد علموا أنهم ما قدموا إلينا إلا وكان أحد سلاحهم الهرب، ولا طمعوا في النجاح وكان لهم في غير الحياة أرب، يبالغون في الاحتشاد، والجازر لا يهوله كثرة الغنم، ويستكثرون من السواد، ووجود من لا ينفع أشبه شيء بالعدم، فقوتهم ضعيفة، ووطأتهم خفيفة، وثباتهم أقصر من حل العقال، وصبرهم أسرع من الظل في الانتقال، وخيولهم لا تطيع أمر أعنتها إلا في الفرار، ورماحهم لا تحمل كل أسنتها إلا للخور والانكسار، وسهامهم لا عهد لها بالمقاتل، وصفاحهم كل شيء من القصب غيرها يمكن وصفه بأنه قاتل؛ فإن دلاهم الشيطان بغروره، فسيبرأ منهم سريعا، وإن أطمعهم في اللقاء فستردهم كلام سيوفنا كأقسام الكلام الثلاثة:

هزيما أو أسيرا أو صريعا.

ومنه قوله رسالة طردية:

لا زال يمنه يستنزل العصم من معاقلها، ويسمع السهام الصم ما تحدث به حركات الطير عن مقاتلها، ويلجئ ضواري الوحش إلى سيوف أوليائه لترقرق ماء الفرند فيها بمناهلها، وينهي أنه سار إلى ما واجه وجه إقباله، متيمنا بسعده الذي ما برح يعتلق بحباله، ومعه:

من الجوارح كل بازي شديد الأسر، صحيح على ما اتصف به من الكسر، ينظر من بهار، ويخطر في ليل رقم به أديم نهار، ذي صدر مدبّج، ورأس متوج، ومخلب خطوف، ومنسر كصدغ معطوف، أسرع من هوج الرياح، وأقتل من عوج الصفاح، ينحط على الطير من عل، ويسبق إلى مقاتل الوحش كل رام من بني ثعل.

ومن الضواري كل حام أسبق من السهم، وأخف في الوثبة من الوهم، ذي

<<  <  ج: ص:  >  >>