للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واثنان عن الشمال مرفوعان على مجرى النهر في قرارة الوادي دائمة بمقسم معلوم، وعليه التفاف بساتين «١» ممتدة من الجانبين إلى أن يمر على المكان المسمى بالربوة وقد بنى الملك العادل الشهيد نور الدين محمود بن زنكي [١] رحمه الله بها المقام المعروف بمهد عيسى «٢» ، يقال أن مريم آوت إليه بولدها عيسى عليه السلام، وأن هذه الربوة هي المعنية بقوله تعالى: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ.

(المخطوط ص ٢٦٣) .

ومنظر هذا الوادي من أعجب المناظر لتراكم الظل والماء وأظلال الشمس والهواء، وأفراش الجبلين المحدقين به في أرضه بالبنفسج تحت الأشجار المتمايلة على غصون البان، تنفخ بينهما خدود الورد، ويفتر مباسم الياسمين، وتندلق ألسن السوسن، وتتجاوب فيها هدير الماء والحمام، وتتلاقى خيول «٣» النسيمين الطائر من الشمال على منابت الشيح ومن القبلة على الحدائق الفيح.

وإنّ إلى جانب هذا الوادي في قبليه بشمال سطح ممتد على ظاهر المزية كأنه قطعة بيداء مقفرة ينبت بها الشيح والقيصوم، وتتلاعب بها الصبا والدبور [٢] ، عرفت بصحة الهواء وفسحة الفضاء فطاب به ما جاورها، وصح لأجله ما قاد بها ثم نعود إلى ذكر النهر وتسمى الأنهار السبعة بحرى الوادي، والستة المقسومة فمجرى الوادي بردا فاق عليه هذا الاسم لا يعرف بغيره، وعلى سمت بردى في الجانب الغربي الأعلى الآخذ قبلة نهر داريا ودور المزية ودونه نهر القنوات، ودونه نهر باناس وعلى يسرة «٤»


[١] إشارة إلى قوله تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ
[المؤمنون، الآية: ٥٠] .
[٢] رياح تهب عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>