ورقى القلوب، ومنى النفوس. ذكر «١» هذا في تقريظه ونسي أمثاله ممّا تملى حسناته على حفيظه.
نشأ «٢» ببغداد وخرج إلى الموصل وهو صبيّ ما خرج لزهره من كمامه جنيّ، فوجد بالموصل جماعة من مشايخ الشعراء منهم أبو عثمان الخالدي، وأبو الفرج الببغاء، وأبو الحسن التلعفري، فلمّا رأوه عجبوا منه لبراعته مع حداثة سنّه، ودماثة ما لم يشتد من يانع غصنه فاتّهموا في الشعر دعواه، وما شكّوا أنّما ينشدهم لسواه، فقال الخالدي: أنا أكفيكم أمره وأستبين لكم فجره، واتخذ دعوة جمع عليها الآراء، وجمع عليها الشعراء، وأحضر السلامي ليزيل المراءة، فلمّا توسّطوا الشراب أخذوا في التنبيش على بضاعته، والتفتيش على صناعته، فجاء مطر شديد أفاض تلك الغدر، وأضاف إليه بردا شابت به النّواصي العذر حتى كأنّما مرّ السحاب بتلك الرّبى مسبل الجلباب، أو آبت به غربة النّوى فتضاحكت من جميع نواحيه ثغور الأحباب، فألقى الخالديّ نارنجا كان بين يديه في ذلك البرد، وأوقد منه نارا في ماء جمد كأنّما أهدى به الخدود إلى الثغور، أوصفّ به الياقوت على اللؤلؤ المنثور ثم قال: يا أصحابنا هل لكم أن نصف هذا؟ فقال السلامي شعرا منه:[مجزوء الكامل]
أهدي لماء المز ... ن عند جموده نار السّعير
لا تعذلوه فإنّما ... أهدى الخدود إلى الثغور
فعرفوا حينئذ حقّه، وشهدوا له من الفضل بما استحقّه، ثمّ كانوا يذعنون لإجادته ويمعنون في وصف ما يرونه من ريادته إلّا التلعفري فإنّه أقام على قوله الأول، وهل تصحّ دعوى من يتقوّل؟!
١٩٣/واتصل بعضد الدولة/ فاشتمل عليه بجناح القبول، ودفع إليه مفتاح المأمول.
وكان عضد الدولة يقول: إذا رأيت السّلامي في مجلس ظننت أنّ عطارد قد نزل من