للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الرجاء حتى أن كل أحد ليعلق من ملوكها الطماعية بنصيب، ويفردهم بقصد، وهم أجود من الغمام السكوب، وأندى من الرياح ندى عند الهبوب.

ثم نعود إلى ذكر حماة فنقول: إنها لم تكن في القديم نبيهة الذكر، وكان الصيت دونها لحمص، ثم تنبه في الدولة الأتابكية ذكرها فلما جاءت الدولة الصلاحية الناصرية «١» [١] وانتقلت حماة إلى ملوك «٢» بني أيوب مصروا مدينتها بالأبنية العظيمة والمساكن الفاخرة، وتأمير الأمراء فيها وتجنيد الجند بها، وعظموا أسواقها وزادوا فيها القصور والغراس، وجلبوا إليها من أرباب الصنائع كل من فاق في فنه، وبقى كل ما لمحل منها يكبر ويزداد «٣» إلى أن أضحت الآن تامة المحاسن، معدودة في أمهات البلاد، وأحاسن الممالك.

وبها الفواكه الكثيرة والخيرات الغزار، وأسعارها رخية وسمتها ملوكية خلا أنها ذات وعر في الصيف بحجب الهواء عن اختراقها، ويعرض بها في الخريف، تغير ينسب إلى الوخم، ولا يبقى بها الثلج كما يبقى من بقية الشام مدخرا إلى الصيف، ولكنه يجلب إليها من جاورها.

وحول حماة مروج [٢] ممتدة وبر فسيح يكثر به مصائد الطير والوحش، وليس بعد دمشق في الشام لها شبيه ولا يدانيها في لطف ذاتها من مجاوراتها قريب ولا بعيد وليس لها سوى عملين؛ عمل بارين وعمل المعرة.


[١] نسبة إلى الناصر محمد بن قلاوون الصالحي.
[٢] قارن وصف حماة عند ابن بطوطة ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>