فأكرمه، وشفع له فأعيد إلى عمله وتسلّمه. وكان ناسك نهار، وفاتك ليل، يزرّر جيوبه شموس العقار، وكان هو وابن قريعة، وابن معروف، والقاضي [الا يذجي]«١» من ندماء الوزير المهلبي يغضّون النهار وقارا، والليل عقارا، ويأخذون بنصيب من كلّ، وحظّ إثمه ألزم لأعناقهم من غلّ. وحكي أنّهم كانوا يحضرون مجلسه لسماع الطّرب حتى إذا استفزّهم فزّة الثّمل بالراح، وهزّهم هزّة الغصن بالرياح أقبلوا على الشراب بجملتهم، وقابلوا راياته المنشورة بحملتهم، وكانوا كلّهم شيوخا لم يبق من سواد لمّمهم إلّا ما سوّد الصحائف، ولا من هممهم إلّا التهتّك في وردة خدّ وريحانة سالف، وكانوا إذا حميت بالخمر رؤوسهم، وحجبت بالخمر من العقل ما يسوسهم قدّم لكلّ واحد منهم طاس ذهب من ألف دينار يقدح بمدامه نارا بنار فيغمسون فيه لحاهم ويدعونها حتى تتشرّب المدام، ويطير في قزع رؤوسهم سحابها الجهام، ثم يرسلون على الندماء مطرها دفاقا، ويفعلون هذا قصدا لا اتفاقا «٢» . وبهذا ذكرت شناعة أقيمت في زماننا بمثل هذا على رجل أعلم براءته من حديثها المفترى، وكذبها الشائع في الورى، وإذا كان قد رمي بهذا الافتراء رجل من أهل عصرنا، ومن أهلّة مصرنا كيف لا يكون قد رمي به هؤلاء مع بعد زمانهم، وموت من له علم بشانهم، وإنّما ذكرنا ما قيل، ولو أنكرنا هذا دفعا عنهم لما كان إلى الإنكار سبيل «٣» .
ومن شعره المرهف لحدّ الأفهام، المسعف بأفخر من الدّرر التوام ...