جمع أبو العلاء المعري ديوانه، ورفع في السماء كيوانه، وتكلّم على غريبه فتقدّم حرّا على عريبه. وقال أبو العلاء «١» : سألني أن أسمع شعره فقرئ عليّ ما أنشأه من أنواع القريض فوجدت لفظه غير مريض، ومعانيه صحاحا مخترعه، وأغراضه بعيدة مبتدعه، وهو وإن كان متأخرا في الزمان وكأنّه من فرط عهد النّعمان. ومن سمع كلامه علم أنّه لم يعر شهادة، ولا حرم في إبداع الكلم سياده. انتهى قوله فيه.
٣٥٦/ولقد وقفت على هذا الديوان فوجدته قد أكره ثقل التجنيس عفوه، وكدّر رنق التكليف صفوه إلّا ما ندر له من الأبيات الآهلة المغاني بأهلّة المعاني البارعة جمالا يفتن وكمالا يؤذن بأنّ قيمة كلّ امرئ ما يحسن، فإنّها لم تخل من مثل شرود، وأمل لمن يرود أتت عليها نزعة بداوة، وجرعة زلال لم تغيّر بأداوه. ما خضخضت قليب سجله الأرشية ولا مضمضت فم منهله الأسقية، كأنّما قال أعربي في طمريه زرود، وقال عليه أوان ورود فهبّ ينمّ بالنسيم الحاجريّ ريحه، ويتبلبل ببلل الطلّ في طرّة السّحر شيحه.
ومن شعره الفتّان مليحه، قوله:[البسيط]
يا ساكنين بحيث الخبت من هجر ... أطلتم الهجر مذ صرتم إلى هجر «٢»
عودوا غضابا ولا تنأى دياركم ... فقلّة الماء ترضي الكدر بالكدر «٣»
ومنها قوله:[الطويل]
وذبّل من رماح الخطّ حاملة ... من الأسنّة نيرانا بلا شرر «٤»