من بيت خيّم على منازل النجوم فخاره، وحوّم على مناهل الغيوم مطاره، كان يدعى بالأمير، لأنّ أباه كان أميرا «١» ، وكان بما يقيت القلوب مميرا، لا ترد المسامع منه إلّا نميرا، ولا تجدّ المجامع به إلّا للكواكب سميرا، ويده في هذه الصناعة لا يماثل صناعها، ولا يقاس بشيء إلّا وطال عليه في القياس ذراعها. وديوانه كبير الحجم «٢» ، منير الجوانب كأنّما طلع في آفاقه النجم، وقد اعتمد فيه الجناس فأكثر منه حتى كدّر صفوه الزلال، وعسر عفوه حتى كاد يبطل به عمل سحره الحلال «٣» . ومدح الملوك، والأمراء، والوزراء، وحصّل النعمة والثراء، وكان جملة فخر وقلّة ثبات لا يدهده له صخر.
حكى ابن خلكان «٤» أنّ أباه كان من أمراء العرب، وأنّه من شعراء الشام، ولد بدمشق، وتوفي بحلب، وكان هو وأبوه في تلك الأيام من أهل اللقب، وله مفاخر باقية على الحقب، وكان يتردّد إلى البادية أحيانا، ويتخّذ له ممّا حول الريّان «٥» أوطانا، فأتت على أشعاره فصاحة البدو، ولطف الحضر، وجاءت فيها مواضع كأنّما خرجت من ألسنة العرب، ومرّت بنعمان الأراك «٦» عدو بها الطرب، وأخذت من أفواه سكان الأجيرع «٧» فجاءت بضرب من الضرب «٨» ، ومالت أدواحا، ولا قست النفوس فجرت فيها أرواحا، وكان لا يعيا ٣٧٨/