وهذا ترقّيا، فكم خلّص واحدا من عاب، وأحلّ آخر علياء الشّعاب، وكسى آخر فخرا لا يبلى جديده ولا يقصر مديده، وترك آخر نجابه عرضه منجى الذباب، وخيف ضرره خيفة الوزغ لا الحباب.
وكان ذا ذهن حدّ لا يصدأ صقيله، ولا يهدأ في المباحث صليله، ولا يعرف شرار النار إلّا أن يكون هو أو سليله، ولا طريق إلى الاختراع إلّا في شعره وما هو سبيله، ولا رحيق المراشف إلّا ما أداره لمى غزاله أو سلسبيله ببدائع ما الروض غاداه السّحاب، وهداه السخاب، ومرّ به النسيم مثل الجلباب معتل الهبوب في طفل الشباب، قد أخذت الأرض زينتها وجبلت بكافور القطر الذائب في عنبر الأرض طينتها حتى تسلسل ماؤها وهو مطلق وأطلق فيها النظر وهو موثق، وتجاوبت قيان ورقها الصّوادح، وتطايرت شرارات جلّنارها في كفّ كلّ قادح، وبرزت شقائقها مجامر، وبدت مخاضات أقاحها معابر، وتوردّ وردها بالخجل حياء من مقل النرجس، وطال لسان سوسانها عتابا على المنثور حيث أجلس، وتنمّر البنفسج في ورقه وازرقّ من حنقه، وبان على البان في قضبه، وعلى باقي الزّهر ما فرّ به إلى رؤوس كتبه، إلى غير هذا من محاسن جمعت، وميامن أودعت بأبدع من تلك البدائع، ولا بأبدع من ذلك الفضل الرائع.
وسنورد من بديعه ما يشقّ كتمانه على لسان مذيعه، منه قوله:[الطويل]