فتح عليه وباب الدواعي والبواعث مغلق، وجلباب المساعي والمطالب مخلق، وابتلي مع كساد البضاعه، وفساد ثدي كان يتمصّص من الجوائز رضاعه بأنّه كان لا يزال عليه في سرحه يطرق، وأنّ شعره الكاسد لا يشترى ومع هذا يخان فيه ويسرق.
ولد بغزّة، وتأدّب بها، ثم تنقّل في البلاد ساريا سرى الكواكب، سائرا سير الشمس إلّا أنّه إلى المشارق لا إلى المغارب. دخل العراق، ورحل إلى خراسان، وعرّج على كرمان.
يوما بحزوى ويوما بالعذيب ويو ... ما بالعقيق ويوما بالخليصاء
وتارة ينتحي نجدا وآونة ... شعب الغوير وأخرى قصر تيماء
وعرّض سؤاله للنجّح والحرمان، ومدح أكابر تلك البلاد في ذلك الزمان،/ ٤٦١/وطفح مغاصه المثري بفرائد الجمان، وغلا سعره في تلك الأقطار غلوّا بذلت فيه النفائس وعلا علوّا قصّر عنه من يقايس.
وقد ذكره العماد الكاتب فقال «١» : أتى بكلّ معنى مخترع، ونظم مبتدع، وحكمه محكمة النّسج، وفقره واضحة النّهج. وكلام أحلى من منطق الحسناء، وأعلى من منطقة الجوزاء.
ثمّ قال في كلام آخر «٢» : الغزّيّ حسن المغزى، وما يعزّ من المعاني الغزّ إلّا إليه يعزى، يعنى بالمعنى، ويحكم منه المبنى ويودعها اللفظ إيداع الدرّ الصّدف، والبدر السّدف، فمن أفراد أبياته التى علت بها راياته، وبهرت آياته ولم تملل منها غاياته، قوله، ثمّ أخذ يسرد ما انتقاه له سردا، ويأتي بكلّ بيت فاق، وفاقه أخوه فكان مثل السيف فردا.