للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجود كفّ على الأيام متّصلا ... وللسحائب جود في الأحايين

والبحر ما فار قبل الغوص وارده ... بلؤلؤ في قرار منه مكنون

ومنه قوله: [الكامل]

شوق البراقع والبلاقع دونها ... أنا منه بين تلهّف وحنين

لا تشك فالأيام حبلى ربّما ... جاءتك من أعجوبة بجنين

ما ضاع يونس بالعراء مجرّدا ... في ظلّ نابتة من اليقطين

ومن نثره خطبة افتتح بها ألف بيت من شعره، قال فيها «١» : أمّا بعد حمد الله الواجب، والصلاة على نبيّه المخصوص بالمناقب، فإنّ الشعر زبدة الأدب، وديوان العرب.

كانوا في جاهليتهم يعظّمونه تعظيم الشرائع، ويعدّونه من أعلى الذرائع. وجاء الاسلام فأجراه على الرسم المعهود في قطع لسان قائله بالجود، وإذا طالعت الأخبار، وصحّ عندك ما فاض من إحسان النبيّ صلى الله عليه وسلّم إلى حسّان بن ثابت، وخلعه البردة على كعب ابن زهير، واهتزازه للشعر الفصيح، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ من الشعر لحكما، علمت أنّ أكثر الشعر سنّة ألغاها الناس لعمى البصائر، وتركيب الشحّ في الطباع.

وقد كنت في عنفوان الصّبا المّ به إلمام الصّبا بخزامى/ ٤٨٦/الرّبى، وأنظمه في غرض يستدعيه لأذن تعيه، فلّما دفعت إلى مضائق الغربة جعلته وسيلة تستحلب بها أخلاق الشيم، وتستخرج بها درر الأفعال من أصداف الهمم، حتى إذا خلا الزمان من راغب في منقبة تحمد، ومأثرة تخلّد، وثبت في الانزواء على فريسة لم يزاحمني فيها أسد، ولا يرضى بها أحد، على أنّ من سالمه الزمان أجناه ثمن الإحسان، ومن ساعدته الأيام أعثرته على الكرام، وذلك أنّ الوزير بهاء الدين التمس منّي جمع فقر من شعري يروض نفسه لحفظها، وتأمّل معانيها ولفظها، فعلمت أنّ الكريم على العلياء يحتال.

<<  <  ج: ص:  >  >>