قدّس الله روحه ظنا أنّه يضبط له مال مصر ويمتدّ له هناك قلم قطّه صلاح الدين وغلّه بعدم التمكين فعاد بأقبح خزية وأبداها. وأخيب سفرة/ ٥٠٥/ما أقلّ جداها، ثمّ كان في هذا البيت من ذكر ممّن ذمّ أو شكر، وكان هذا أصل تلك الدّوحة، وأصل وأبكار تلك الغدوة والرّوحة، وكان في الهيئة ذا مشاركة لا تخطي في مساحتها إذا قسّم، ولا تضيق في صدره ساحتها إذا توسّم، وكان في الأدب حيث يستمك السنّام، ويستمع قول الأنام، وكانت بينه وبين ابن منير الطرابلسي شحناء لا يسكن غليانها، وبفضاء لا تنقضي أحيانها، واستعدى ابن القيسراني الملك العادل نور الدين عليه فأباحه دمه، وحلّى وشاحه بسيف يضرب به عنقه، ويطيح دمه، وجعل له هذا السّيف حكما ماضيا، وحكما قاضيا، فتحّيل ابن منير بحيل دقّقها، ووصل اهتبل بها غرّة ابن القيسراني ووطي عنقها حتى أخذ ذلك السيف وبخّه بخلّ ثمّ رده إلى قرابه فصدأ في القراب، ولصق به لصوقا لا يفارقه إذا سلّه للضراب، ثمّ كان ابن منير في تلك المدّة يتحيّد ابن القيسراني ويقول قول الأرنب أن خير إليّ يوم لا أرى الكلب ولا الكلب يراني حتى علم بأنّ سمّ كيده قد استحكم في جسم ذلك السيف، وأنّ جفن ذلك الغرار قد تملّأ كرى لا حلم فيه ولا طيف ثمّ تعرّض له في الطريق، وأتاه وهو بين حفد له غير فرق من ذلك الفريق، فأومأ ابن القيسراني بيده إلى السيف ليخرطه فما انخرط، وخان عهده مقيما عذره في عدم الوفاء بأنّه ما شرط، فضحك من حضر، وخجل ابن القيسراني خجلا صار به مثلا للبشر، وبلغ هذا نور الدين فقال: لو كان ابن القيسراني محقّا ما كفّ عن هذا ودمه هدر.