وتخلع عليه النفوس والبرود. أشغل قلب الشّجيّ والخليّ: فهذا غنّى وهذا ناح.
وأسمع أذن السّالي والمغرم: فهذا كتم وهذا باح. وكان لا يخلو منه سماع، ولا عقد اجتماع. تتهاداه مجالس الكبراء سرورا للنفوس، وتتعاطاه سلافا في الكؤوس، وتميل به لإمالة الطّرب الرءوس. وجرت بينه وبين الخيميّ في القصيدة البائية المحاكمة التي قضى فيها ابن الفارض عليه قضاء لم يقدر حاكم على نقضه، ولا أعانه صاحب على تجرّع ممضّه. ثم كان بعده لا يزال منقّبا بالحياء، مذبذبا يمشي على استحياء، لما ألق به من وصمة عار الادّعاء، وسمة قبح لا يطلب منه بعدها رفع يد بصالح الدّعاء. وكان مع كثرة حضوره حيث تصفّق الألحان، وتصفّق أواني المدام، بنت خضرة القدس لا بنت الجان، لا يدخل طابق الرّقص، ولا يزداد وحده إلّا بمقدار ما يأخذ في (١٠٢) النقص.
وحكى قاضي مجد الدين بن العديم، قال: أريت في النوم كأني داخل إلى بلده، فقيل لي: إن نجم الدين بن إسرائيل، قد صار كاتبا عند الوالي بها، فقلت:[الوافر]
إلى كم ذا تغرّرك الليالي ... وتبدي منك حالا بعد حال
فطورا شيخ زاوية وفقر ... وطورا كاتب في دار والي
وذكرت هذا المقام للطف موقعه، وطرف نظمه في موضعه.
ومن فائق شعره، وفائح نشره، قوله:[الكامل]
يا واحد الحسن الذي لولا الجفا ... ما عاقه عني العشيّة عائق
أنت الأمير على الملاح بأسرهم ... وعليك من قلبي لواء خافق